مقدمــــــــة

الحكاية الشعبية، كائن حي.. وله أجنحة.. يطير بها عابراً الحدود، بدون جواز سفر.. لذلك نرى فيها ملامح إنسانية عامة، إذ تتشابه، وتتشابك، وتنمو، وتحيا في أرجاء دنيانا: مثيرة، ممتعة، صالحة في كل مكان وزمان.‏
ويكفيها فخراً أنها من تأليف "الشعب" بكامل فئاته، وهي ثمرة تفكير عقل جَمْعى، لذلك تنتصر دائماً للخير، ويلقى الشر فيها هزيمة مروعة.. كما أنها تصل مباشرة إلى وجدان سامعها، وقارئها، لا تحتاج إلى استئذان ولا تقف في وجهها أبواب مغلقة أو أسوار عالية..‏
والعالم يعترف لنا- نحن العرب- بأن لدينا أعظم كنوزه الشعبية: ألف ليلة وليلة، ويرى في شهرزاد أهم راوية للحكايات في كل الدنيا، لذلك أخذوا منها ما أعطوه لأبنائهم، وحولوها إلى مسرحيات، وأفلام، استمتعوا بها، وأسعدتهم، ووسعت من خيالهم وأنعشت دائماً ذاكرتهم.. وفعلوا نفس الشيء مع السير الشعبية العربية مثل عنترة، وعلي الزيبق، وأبي زيد الهلالي والزناتي خليفة ودياب، بجانب سيف بن ذي يزن، والأميرة ذات الهمة.‏
وكان جميلاً من الأستاذ "رابح خدوسي" والأستاذة "عائشة بنت المعمورة" أن يعيدا صياغة الحكاية الشعبية العربية في الجزائر، وأن يعداها للأطفال، أسوة بما حدث في كل بلدان العالم، وسوف نجد ملامح من سندريلا في قصة "بقرة اليتامى"، واستبدلت حكايتنا الحذاء بالشعرة الصفراء، كما أن حكايتنا كانت أكثر عمقاً وإنسانية عندما جعلت البقرة أكثر عطاءً من البشر، لأنها أعطت اللبن حتى بعد رحيلها.. والنصف الثاني من القصة يذكرنا أيضاً بحكاية "جاك وأعواد الفول"، وغيرها، حين يتحمل الصغار النفي، ويعتمدون على أنفسهم وعلى القدر، وهم ينجحون في النجاة بأنفسهم، بل وتحقيق حياة كريمة..‏
ونحن قد نجد في الحكاية الشعبية بعض القسوة والعنف لكن أبناءنا أكثر شجاعة من أن يخافوا منها أو ينزعجوا أو يرتجفوا، وهم يتقمصون شخصيات أبطال هذه الأعمال وهم قادرون على احتمال هذا الذي يجري معهم، وإن كنت شخصياً أفضّل استبعاد بعض الأحداث، لأننا نريد للأبناء أن يكونوا أكثر شعوراً بالأمن والطمأنينة..‏
لأن في دنيانا ما يزيد على الحاجة من الرعب الفزع. وحكاية "الأميرة السجينة" فيها من "جميلة والوحش" ومعروف أن لعقل الإنساني قادر على أن يهزم المارد والوحش والعملاق، إذاً ما أحسنا التفكير والتدبير.‏
ولا يعني هذا التشابه أننا أخذنا منهم وعنهم، لكن الحقيقة أننا أبدعنا بأنفسنا حكاياتنا، ومن قبلهم، وإنها طارت هنا وهناك، لأنها كائن حي لـه جناحان.. ولا يعقل أن تعلم شهرزاد العالم رواية الحكايات التي أنقذت حياتها، وحياة فتيات كان من الممكن أن يتخلص منهن شهريار، أي أن الحكي قد انتصر على القتل، وهزمه..‏
لذلك فإن لنا أن نشد على يد الكاتب "رابح" والكاتبة "عائشة"، شاكرين لهما أن قدما لنا هذه الأعمال التي وصلت إلينا عبر الأجيال، وكابدت الزمن، وبقت حية مما يؤكد أصالتها، وهو أمر جعل الناس يتوارثونها، ولا يفرطون فيها.. وهي-أي الحكايات- أروع بكثير من تلك التي تصل إلينا مترجمة ومنقولة، فهي ملكنا، وخاصة بنا، وتمسّ منا العقل والقلب والوجدان، وتجعل منا أناساً طيبين، وقادرين على مواجهة المصاعب، وعلى حل المشكلات، كما يفعل أبطالها..‏
نعم، إن البطولات التي أبداها شعب الجزائر من أجل الحرية والاستقلال قد يراها البعض أكبر وأعظم من تلك التي يقوم بها أبطال الحكايات الشعبية، لكن هذه الحكايات ساهمت بدون شك في وجود الأبطال الحقيقيين... ومرحباً بحكايات الجزائر الشعبية لكل القراء العرب في وطنهم الكبير.‏
الدكتور: عبد التواب يوسف‏