وخرجت في نزهة إلى إحدى الأرياف الفرنسية
كان الجو ربيعيا ساحرا وكأن السماء في صفائها سرقت قطعة من ربيع الجزائر
نسيت غربتي وأنا أغوص في كهوف الانسانية
كان المكان تاريخا صامتا والباعة الفرنسيون يبيعون التحف القديمة ويتباهون بما ترك أسلافهم من آثار قيمة
أشياء عديدة أثارت إعجابي
فعلا كانت مبهرة تلك الحضارة برموزها وكتبها وتحت بريق سماء المتوسط
ذلك البحر العظيم الذي كان ومازال قلب الإنسانية بما تعاقبت عليه أحداث وبطولات وأمجاد
إقتنيت تحفا أحسست أنها قيمة
لكن واحدة من هذه التحف ملكت وجداني لقيمتها الانسانية
ليست لوحة لفنان معروف تساوي الاف الدولارات
بل هي سوى رمز بسيط وجدت له مغزى واسع الصدى
لا حظ البائع إهتمامي المتزايد بهذه التحفة الرائعة وآبتسم قائلا
أحييك سيدتي على ذوقك لا أحد إهتم بهذا المصباح القديم سواكي
وسألني إذا كان هذا المصباح يذكرني بطفولتي مثلا أو بأهلي
أخبرته أنه في طفولتي كان ولى عهد هذا المصباح
فكان السعر زهيدا أدهشني ذلك فقلت له أنت تبيع زمنا
وتمنحني عصرا بمبلغ لا يمكننا من خلاله اقتناء دقيقة واحدة نظر إلي مبتسما
و مد يده وقال لي أنت تبحثين عن مرحلة لك فيها ذكريات
أجبته
بل أبحث عن عصر كان فيه الإنسان قريب إلى الانسانية
بعيدا عن التكلف
عن زمن البساطة عندما كان هذا المصباح قلب يلتقي فيه أفراد الأسرة ليتقاسموا النور ويحسون بقيمته
كان الجميع سواسية في آمتلاكهم زجاجة وكأنها مصباح دري
قال لي لانك مختلفة خذي هذا المصباح هدية مني سيدتي
قلت له لقد وهبته قيمة عالية وأنت تهديه
إن قيمته أكبر
من ملايين الكون لدي
هو الزمن الذي عبرنا من خلاله أمواجا هادئة لنصل إلى فوضى المحيطات في زماننا البائس بما امتلك من آخر تكنولوجيا الأضواء
بالنسبة لي هذا المصباح كان النور
وأما ما هو قائما الآن فهو أضواء لكنها فاقدة لجوهر النور